سجلت أسعار مواد البناء انخفاضا خجولا في مصر خلال الأيام القليلة الماضية، بالتزامن مع القرارات الحكومية الصادرة مؤخرا وتتعلق بإلغاء جميع الرسوم على استيراد الحديد والإسمنت، وكذلك على مستلزمات المعدات الخاصة بمصانع مواد البناء. ووصل الانخفاض في سعر الحديد نحو 500 جنيه للطن خلال الأسبوعين الماضيين؛ ليصل إلى 6000 جنيه، في حين انخفض سعر طن الإسمنت ليتراوح سعره ما بين 420-450 جنيها، متراجعا حوالي 110 جنيهات للطن الواحد في أسبوعين (الدولار يساوي 5.44 جنيهات).
وشملت الرسوم الملغاة رسوم الخدمات ودعم الصناعات وإجراءات الاختبارات على مواد البناء وغيرها من الرسوم الأخرى. وتقرر أيضا تشكيل لجنة من قطاعات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والصناعة والكهرباء والمعادن وجهات رسمية أخرى لدراسة موضوع توزيع الإسمنت والحديد، واتخاذ التدابير اللازمة للسيطرة على التوزيع ومنع الاحتكار.
هدوء في السوق
ويقول تجار مواد بناء في مصر إن قرار وزير التجارة والصناعة المصري رشيد محمد رشيد بوقف تصدير الإسمنت ابتداء من يوم 29 مارس/آذار 2008 الماضي حتى أول أكتوبر/تشرين الأول 2008 المقبل ساعد في التراجع الذي شهدته السوق المصرية، وكان رشيد قد أصدر كذلك قرارات تم بموجبها تشديد الرقابة على تداول وإنتاج حديد التسليح.
وكانت الحكومة المصرية قد اتخذت إجراءات لمواجهة مافيا الحديد والإسمنت؛ منها وقف تصدير الإسمنت الكلنكر والبروتلاندي الرمادي حتى أول أكتوبر/تشرين الأول 2008 لمواجهة تعطيش السوق من سلع مواد البناء أو تقليل كميات الإنتاج، كما أصدرت قرارا بإضافة سلعة الإسمنت والحديد إلى السلع المحظور وقف العمل في مصانع إنتاجها أو الامتناع عن بيعها إلا بترخيص من وزير التجارة والصناعة، وتطبق على المخالفين العقوبات المنصوص عليها بالقانون رقم 95 لسنة 1945، وهي الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن 5 سنوات وبغرامة لا تقل عن 300 جنيه ولا تجاوز ألف جنيه، والمصادرة والغلق لمدة لا تجاوز 6 شهور، وإلغاء رخصة المحل, كما يجوز للوزير إصدار قرار مسبب للغلق الإداري للمدة نفسها.
وتضمنت إجراءات الحكومة أيضا تشديد الرقابة على إنتاج وتداول سوق الإسمنت والحديد، وتشديد العقوبات المنصوص عليها في القرار الخاص بتنظيم وإنتاج وتداول الإسمنت رقم 605 لسنة 2006؛ لتصبح عقوبة عدم إخطار قطاع التجارة الداخلية بوزارة التجارة والصناعة يوم الخميس من كل أسبوع عن كميات الإنتاج والتصدير وأسعارها والمخزون وأسعار البيع وأسماء المشترين بالنسبة للمنتجين والوكلاء والتجار لتصبح الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات. ومن المعروف قانونا أن زيادة الحد الأدنى للحبس إلى سنة يتيح للجهات القضائية الحبس الاحتياطي في هذه القضايا.
الشركات المنتجة تتشدد
من جانبه قال الدكتور أحمد الزيني نائب رئيس الشعبة العامة لمواد البناء بالاتحاد العام للغرف التجارية المصرية لـ"الأسواق.نت" إن أسعار مواد البناء من حديد وإسمنت بدأت بالفعل في التراجع بنسب طفيفة مباشرة عقب صدور القرارات، وانخفض السعر بنسبة تتراوح ما بين 15-20%، حيث وصل سعر طن الحديد 6000 جنيه بدلا من 6500 جنيه، ووصل طن الإسمنت إلى 420 جنيها بدلا من 470 جنيها.
ورغم هذا التراجع إلا أنه أكد أن المستهلك لن يشعر برد فعل قوي لتراجع الأسعار إلا بعد مرور فترة من الوقت، ولا يتوقع الزيني حدوث انخفاض كبير في الأسعار، حيث لن تسمح الشركات المنتجة بذلك إلا بنسب طفيفة.
وعند سؤاله عما يمكن أن تصل إليه أسعار الحديد قال "لا أحد يعرف إلى أين تتجه الأسعار"؛ لأن أسعار الحديد ترجع إلى المواد الخام العالمية "البلت"، الذي يواصل الارتفاع، ولم يتوقف عن الانخفاض في الشهور الأربع الأخيرة، وعن التكلفة الحقيقية لطن الإسمنت يقول الزيني إنها تصل إلى 180 جنيها أي أن الأسعار الحالية للإسمنت مغالى فيها بشكل كبير.
وأشار الزيني إلى أنه مع الارتفاعات الكبيرة في أسعار مواد البناء في مصر كادت تتوقف الحركة عليها لإحجام الناس عن الشراء، إلا أنه في الوقت الحالي بدأت حركة شراء بسيطة للحديد والإسمنت عقب صدور قرارات وقف التصدير وإلغاء الرسوم الجمركية، انتظارا لحدوث تأثير ملموس لها واستقرار الأسعار.
ويرى الزيني أنه إذا لم يترتب على القرارات الأخيرة خفض ملحوظ في الأسعار فعلى الأقل قد تحدث حالة من الاستقرار بتوافر السلعة، وأن تصبح موجودة في السوق بعد أن شهدت الفترة الأخيرة حالة من تعطيش السوق من الحديد والإسمنت، ولم تكن السلعة متوفرة بسهولة، ومن كان يريد كمية كبيرة منها كان يحصل عليها "بالواسطة".
عودة لنظام الحصص
من جانبه اعتبر تاجر الحديد والإسمنت وعضو مجلس إدارة الشعبة العامة لمواد البناء علاء النجار أنه من الطبيعي أن تنخفض أسعار مواد البناء، إلا أنه قال لن يستسلم المنتجون لمثل هذه القرارات، وقد بدأت بالفعل أولى ردود الفعل المقاومة من قبل هؤلاء، حيث خفضت بعض الشركات إنتاجها، وقامت بتشغيل خط إنتاج واحد بدلا من 3 خطوط، وذلك لتعطيش السوق ليظل الطلب أكبر من العرض، بالإضافة إلى أن البعض من هذه الشركات حدد كميات محددة لكل تاجر بنظام "الحصص".
وتسود السوق حاليا حالة من الترقب انتظارا لردود الفعل تجاه القرارات الحكومية، بعد أن سارع عدد من المستهلكين بالبناء الفوري قبل قدوم موسم الصيف الذي قد تنفجر فيه الأسعار، خاصة في الفترة من شهر مايو/أيار حتى نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام.
ويقول النجار إن ارتفاع خام البلت عالميا هي الشماعة التي يعلق عليها المنتجون رفعهم المتواصل للأسعار، في حين أن التعاقدات التي تتم على استيراد خام البلت تتم بتعاقدات لسنة سابقة مع الالتزام بالسعر المتفق عليه مسبقا.
ويطالب النجار بإلزام المصنعين للحديد والإسمنت بتثبيت الأسعار لفترة لا تقل عن 3 شهور، حتى يستطيع المقاولون الوفاء بالتزاماتهم بالأسعار المتعاقد عليها.
وكشف النجار لموقع "الأسواق.نت" أنه يجرى حاليا إبرام اتفاق بين تجار الحديد والإسمنت من خلال الشعبة العامة لمواد البناء بالتوقف عن شراء الإسمنت لإجبار مصانع الحديد والإسمنت على تخفيض الأسعار، وكذلك توحيد سعر الشراء لطن الحديد بحد أقصى 5150 جنيه، ولكنه أشار إلى أن قرار الوزير رشيد محمد رشيد بتوحيد سعر طن الإسمنت عند سعر 5950 كحد أقصى للمستهلك ضيع علينا هذه الفرصة.
وقال إن أسعار السوق قاربت هذا السعر، حيث إن السعر الذي يباع به الحديد يتراوح ما بين 6100-6150 جنيها؛ ليصل الانخفاض المترتب على القرارات الأخيرة على طن الحديد إلى 500 جنيه في حين انخفض طن الإسمنت بمعدلات كبيرة تجاوزت 100 جنيه للطن الواحد، ويتم بيعه ما بين 430-420 جنيها، وقال إن السوق لا تزال في انتظار حدوث مزيد من الانخفاضات.
خفض العرض
ويعترف تاجر الحديد أشرف بسيوني بحدوث تراجع في أسعار الحديد والإسمنت عقب قرار وزير التجارة والصناعة بخفض الرسوم الجمركية، حيث انخفض سعر طن الحديد بمبلغ 50 جنيها في اليوم التالي لصدور القرار، وتوقع بسيونى ألا يقابل المنتجون القرارات بمرونة بل إنهم سيتحدونه، حيث قامت بعض الشركات المنتجة بخفض إنتاجها الموجه للسوق المحلية؛ للحفاظ على مستوى الأسعار مرتفعة، ويدلل بسيونى على ذلك بأن معدل انخفاض سعر الإسمنت جاء أبطأ مما كان متوقعا له، خاصة وأنه يصنع محليا، بالإضافة إلى أن بعض الشركات التي كانت تعمل يوم الجمعة من أجل ضخ إنتاجها للتصدير توقفت عن ذلك، في حين أن إنتاج هذه المصانع يغطي طلبات السوق المحلية، وأن المتبع في هذا الصدد خفض العرض مع زيادة الطلب لرفع الأسعار.
ويقول بسيونى إن التكلفة الحقيقية لطن الإسمنت داخل المصنع تصل إلى 150 جنيها، وبإضافة 20% مكسبا يصل إلى 180 جنيها، وهو السعر الذي من المفروض أن يخرج للتاجر، ثم تضاف إليه تكلفة التاجر، وهي حوالي 50 جنيها للطن وعليه يتم طرح السعر للمستهلك بـ230 جنيها، وهو سعر عادل جدا للمستهلك والتاجر والمنتج معا.
ويرى بسيونى أنه لا يمكن الحكم على جدوى هذه القرارت خلال فترة قصيرة؛ لأن هناك كميات فائضة من الحديد والإسمنت ستباع بالسعر القديم لدى التجار حتى لا يتعرضوا للخسارة.
ويؤكد بسيونى أن قرار وقف التصدير سيكون له أكبر الأثر؛ مما ينعش حركة المباني والمقاولات، بعد أن كان يتم التصدير بالاقتطاع من حصة السوق المحلية، وطالب الحكومة بالضغط على الشركات المنتجة للحديد والإسمنت لضخ كميات أكبر في السوق، والتي يترتب عليها زيادة في العرض لحدوث منافسة حقيقية من أجل استقرار الأسعار. كما طالب أيضا بقيام الحكومة بإنشاء مصانع جديدة ودعم مصانعها الموجودة.
وتوقع بسيوني أن يحدث انخفاض ملحوظ في الأسعار إذا ما قامت الشركات بضخ الكميات اللازمة للسوق، ولكن ما يحدث أن الشركات تحاول التملص من تنفيذ القرار بشتى الوسائل؛ لتحقيق أعلى ربحية ممكنة مثلما حدث خلال عام 2007، حيث أكدت هيئة التنمية الصناعية أن مصانع الإسمنت في مصر حققت 4 أضعاف مستويات الربحية العالمية لمصانع الإسمنت.
التأثيرات بعد 3 شهور
ومع أن السوق شهدت تراجعا لأسعار مواد البناء إلا أن رئيس غرفة التشييد والبناء باتحاد الصناعات المصرية المهندس سمير علام يقول إنه لن يظهر تأثيرات ملموسة لقرار وقف تصدير مواد البناء إلا بعد 3 شهور على الأقل، وعقب وصول الشحنات المتفق على استيرادها من الخارج.
ويعتبر علام أن الوضع الحالي شديد الخطورة على قطاع المقاولات في ظل التغير السريع في الأسعار الذي يحدث أسبوعيا؛ مما يدعو العاملين في هذا المجال إلى التريث في التعاقد على أي مشروع لأنه يكون بها إلزام للمقاول بالأسعار، خاصة في ظل انفلات سعر الحديد.
وما يدهش علام في قضية ارتفاع أسعار الإسمنت هو أنه من المعروف أن الحديد مرتبط بأسعار مواد الخام التي يتم استيرادها من الخارج، ولكن من غير المبرر الارتفاع الكبير في أسعار الإسمنت لأن مواده الخام ومصانعه محلية.
ووسط مزيد من التوقعات بانخفاض أسعار مواد البناء، فهناك أمل أن تكون هناك قوة لكبح جماح الارتفاع الجنوني في أسعار العقارات، وفي هذا الصدد يؤكد رئيس شركة قرطبة للاستثمار العقاري طه السيد عبد اللطيف إنه كلما طالت مدة وقف تصدير الحديد والإسمنت كلما تراجع سعر الوحدات السكنية، وعليه تهدأ هوجة الارتفاع في أسعار العقارات؛ لأن المصنعين لن يخسروا ولكن سيحققون ربحا معقولا.
ويؤكد عبد اللطيف أن حركة العقارات كادت تدخل مرحلة توقف، ولكن القرارات الأخيرة أعادت إليها الحياة مرة أخرى؛ لأن انخفاض أسعار هذه السلع سيكون لها تأثير مباشر وسريع على قطاع العقارات.